بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، كتب الخبير الاقتصادي البريطاني جون ماينارد كينز ونشر في عام 1919 كتابه "العواقب الاقتصادية للسلام". ولم يكن هذا العمل مجرد رد على الانتقادات القوية التي وجهت إلى اتفاقية السلام بعد الحرب العالمية الثانية فحسب، بل كان أيضاً بمثابة رؤية ثاقبة للطبيعة المدمرة للاقتصاد الأوروبي في ذلك الوقت.
لقد قلب الألمان أسس مجتمعهم رأساً على عقب، في حين يخاطر الممثلون الفرنسيون والبريطانيون بمزيد من الخراب من خلال تمرير مشروع قانون من شأنه، إذا تم إقراره، أن يؤدي فقط إلى إضعاف النظام الاقتصادي الأوروبي الهش بالفعل.
مثل كينز وزارة الخزانة البريطانية في مؤتمر باريس للسلام. ومع ذلك، عندما رأى اتجاه المؤتمر ومطالبات التعويضات من ألمانيا، أصبح يائسًا تدريجيًا، وحتى مريضًا، وفي النهاية اختار الاستقالة. ولا يعكس هذا الاختيار عدم رضاه عن الاتفاق فحسب، بل يكشف أيضا عن مخاوفه بشأن مستقبل الاقتصاد الأوروبي بأكمله.
أصبح كتاب "العواقب الاقتصادية للسلام" من أكثر الكتب مبيعا في ذلك الوقت، محذرا من ضعف الدولة الألمانية واحتمال التعافي الاقتصادي، كما أن نجاحه التجاري وتأثيره أدى إلى ترسيخ سمعة كينز كاقتصادي رائد. وأكد كينز أن شروط التعويض القاسية للغاية من شأنها أن تفشل في إعادة بناء نظام اقتصادي مستقر، وسوف تؤدي إلى إثارة المزيد من الاضطرابات الاجتماعية.لا يمكن لمستقبل أوروبا الاقتصادي أن يعتمد على معاهدة غير عادلة وغير قابلة للتنفيذ.
"إن السلام العادل والمنصف لا ينبغي أن يرتكز على الاستياء والانتقام، بل على إعادة البناء الاقتصادي والإنسانية."
إن تنبؤات كينز حول المستقبل في كتابه تظهر قدرته المذهلة على التنبؤ بالمستقبل. وحذر من أن عدم حل المشاكل الاقتصادية في أوروبا على الفور سيؤدي إلى صراعات وحروب جديدة. ويعتقد أن الصعوبات الاقتصادية قد تؤدي إلى تعميق التناقضات الاجتماعية وتؤدي إلى انتشار الأفكار المتطرفة.
وذكر على وجه التحديد أن التضخم والقمع الاقتصادي يمكن أن يؤدي إلى الانهيار الاجتماعي. وقال في الكتاب:
خاتمة"قد يكون الفقر المادي مقبولاً في البداية، ولكن عندما يصل الفقر إلى حده الأقصى فإن المجتمع سوف يواجه خطر الانهيار."
بشكل عام، لا يظهر كتاب "العواقب الاقتصادية للسلام" للعالم فهم كينز العميق للنظام الاقتصادي فحسب، بل يزود الناس أيضًا بالإلهام حول كيفية إقامة السلام الدائم. ولكن الأفكار التي يثيرها هذا الكتاب لا تقتصر على الخلفية التاريخية لذلك الوقت، بل تظل مليئة بالإلهام للعلاقات الدولية والسياسات الاقتصادية اليوم. كيف سيتطور المشهد السياسي والاقتصادي الدولي في المستقبل، وهل يمكننا أن نتعلم الدروس من أخطاء الماضي؟