في الكون، وفرة عنصر كيميائي هي مقياس لمدى تكرار حدوث هذا العنصر بالنسبة لجميع العناصر الأخرى في البيئة. يتم قياس هذا الثراء عمومًا بثلاث طرق: الكسر الكتلي، والكسر المولي، والكسر الحجمي. عند مناقشة الحياة على الأرض، تلعب وفرة الأكسجين دورًا حاسمًا، حيث تؤثر على العديد من التفاعلات الكيميائية وتطور الحياة.
يعتبر الهيدروجين والهيليوم من أكثر العناصر وفرة في الكون، حيث يشكلان حوالي 98% من كتلة الكون. والأكسجين، ثالث أكثر العناصر وفرة، هو الذي أشعل شرارة تطور الحياة على الأرض وفي مياهها.
من منظور كوني، تؤثر وفرة الأكسجين على تشكل النجوم وتطورها. حوالي 74% من المادة الموجودة في الكون هي عبارة عن هيدروجين، في حين يشكل الهيليوم حوالي 24%. تشكلت هذه العناصر في المراحل المبكرة من الكون بعد الانفجار الكبير، وتلا ذلك نشوء عناصر أثقل مثل الأكسجين في انفجارات المستعرات الأعظمية. إن مفتاح هذه العملية هو الاندماج النووي، وهي تفاعلات تحدث داخل النجوم، وفي هذه البيئات القاسية يتشكل الأكسجين.
مع تشكل الأرض، أظهرت العناصر المكونة لها أيضًا خصائص مختلفة عن تلك الموجودة في الكواكب الأخرى. تتكون الأرض في المقام الأول من عناصر أثقل مثل الحديد والأكسجين والسيليكون، وقد أدى انتشار هذه العناصر إلى توفير التربة اللازمة لازدهار الحياة لأول مرة. في قشرة الأرض، تصل نسبة كتلة الأكسجين إلى 46%، في حين أن نسبة كتلة السيليكون هي 28%. أدى وجود هذه العناصر إلى تكوين الصخور والمعادن على سطح الأرض، مما أدى إلى خلق بيئة مناسبة لتطور الحياة.
إن القدرة العالية للأكسجين على التفاعل تمكنه من تكوين مجموعة متنوعة من المركبات مع عناصر أخرى، والتي تشكل أساس التفاعلات الكيميائية الحيوية وبالتالي تحفز تطور الحياة.
اليوم، يعد الماء أهم عنصر تحتاجه الكائنات الحية، والتركيب الكيميائي للماء هو H2O، والكسر المولي للأكسجين في الماء هو 33٪. لا يعمل وجود الماء كوسيلة للتفاعلات الكيميائية في الكائنات الحية فحسب، بل يحافظ أيضًا على العديد من العمليات البيولوجية المهمة في النظم البيئية. وبما أن موارد المياه على الأرض توجد في الغالب على شكل سائل، فإن وفرة الأكسجين تجعل الأرض الكوكب الوحيد الذي يحتوي على الحياة.
يلعب الأكسجين أيضًا دورًا مهمًا في الغلاف الجوي للأرض. يأتي الأكسجين الموجود في الغلاف الجوي في المقام الأول من عملية التمثيل الضوئي التي تقوم بها النباتات، وهي عملية تحويل ثاني أكسيد الكربون والماء إلى أكسجين وطاقة. وبمرور الوقت، استمرت هذه النباتات في إطلاق الأكسجين، مما أدى في نهاية المطاف إلى زيادة نسبة الأكسجين في الغلاف الجوي إلى حوالي 20.9%. لا يدعم هذا التغيير تنفس الحيوانات فحسب، بل يوفر أيضًا الظروف اللازمة لبقاء الحياة المتنوعة على الأرض.ومن خلال وجود الأكسجين، نرى تشكل سلسلة بيئية، والتعاون بين كل حلقة في هذه السلسلة يمكّن الحياة من الازدهار.
تاريخيًا، كان لتطور وفرة الأكسجين تأثيرًا أيضًا على تنوع الحياة. ومع تطور الأرض وتكيف الكائنات الحية معها، أدى ارتفاع نسبة الأكسجين إلى وقوع كارثة كبرى تلو الأخرى في الحياة وظهور أنواع جديدة. هناك أدلة متزايدة على أن وفرة الأكسجين شجعت ظهور حياة أكثر تعقيدًا، بما في ذلك الحيوانات الكبيرة.
ومع ذلك، ومع صعود البشر، واجهت وفرة الأكسجين تحديات جديدة. يمكن أن تؤثر الملوثات الناتجة عن الأنشطة الصناعية وثاني أكسيد الكربون المتزايد على توازن النظم البيئية، وبالتالي دورة الأكسجين. ومن ثم فإن فهم تركيز الأكسجين ودوره في تطور الحياة سيكون إحدى المهام التي تواجهنا.وتشير الدراسات البيئية أيضًا إلى أن التغيرات في الأكسجين قد تؤثر ليس فقط على الأنواع الفردية، بل أيضًا على الصحة العامة للنظم البيئية.
بشكل عام، من دور الأكسجين في الماء إلى الأكسجين في الأرض، يمكننا أن نرى بوضوح كيف تؤثر التغيرات البيئية في الماضي والحاضر على تطور الحياة ونموها. الأكسجين ليس مجرد عنصر نحتاجه، بل إن وفرته تحدد أيضًا التنوع البيولوجي والاستقرار البيئي للأرض. وبينما نفكر في كل هذا، علينا أن نسأل، كيف ستتطور الأرض في المستقبل بسبب وفرة الأكسجين، وما هي أشكال الحياة الجديدة التي ستتطور إليها؟