إن طريقة الاستدلال المستخدمة في النظرية الأساسية هي الاستدلال الاستقرائي، وهو مختلف تمامًا عن نموذج الفرضية الاستنتاجية في البحث العلمي التقليدي.
يبدأ الباحثون غالبًا بسؤال أو يعتمدون فقط على جمع البيانات النوعية. بعد مراجعة البيانات المجمعة، يتمكن الباحث من استخراج بعض المفاهيم أو الأفكار الواضحة، والتي يقال إنها "تظهر" من البيانات.
يتم تمييز الأفكار والمفاهيم برموز تلخص محتوى كل مفهوم بشكل موجز.
ومع جمع البيانات وإعادة النظر فيها، يمكن دمج هذه الرموز في مفاهيم ذات مستوى أعلى، مما يشكل في النهاية الأساس لنظرية أو فرضية. إن عملية توليد النظرية الأساسية تختلف كثيرًا عن عملية البحث في النماذج العلمية التقليدية، والتي تتضمن عادةً الاختيار المسبق لإطار نظري موجود، وصياغة فرضيات بناءً على الإطار، وأخيرًا جمع البيانات للتحقق من هذه الفرضيات.
النظرية التأسيسية، كمنهجية بحث عامة، نشأت من العمل البحثي الذي قام به علماء الاجتماع بارني جلاسر وأنسيل شتراوس. وقد طور العالمان أسلوب المقارنة المستمرة عند دراسة المرضى المصابين بأمراض مستعصية، وهو ما أصبح يعرف فيما بعد بأسلوب النظرية الأساسية. في عام 1965، كان كتابهما "الوعي بالموت" بمثابة بداية النظرية الأساسية. وقد قاموا بعد ذلك بتوسيع نطاق المنطق العام لهذه المنهجية في كتابهم "اكتشاف نظرية أساسية"، الذي نُشر عام 1967.
وقد حقق النهج المبني على النظرية الأساسية نتائج ملحوظة في مجالات مثل علم الاجتماع الطبي وعلم النفس، كما امتد إلى مجالات متنوعة مثل الدراما والإدارة والتصنيع والتعليم.يهدف الكتاب إلى ثلاثة أهداف: سد الفجوة بين نظرية العلوم الاجتماعية والبيانات التجريبية، وتوفير الأساس المنطقي للنظرية الأساسية، وإضفاء الشرعية على البحث النوعي.
تجمع النظرية الأساسية بين تقاليد الوضعية، وعلم الاجتماع العام، والتفاعلية الرمزية على وجه الخصوص. وفقا لبعض العلماء، فإن النظرية الأساسية ليست منهجية كاملة، بل هي طريقة للمساعدة في بناء أساليب لفهم الوضع الإنساني بشكل أفضل.
إن استراتيجية النظرية الأساسية تتمثل في تفسير معنى الأفراد في التفاعل الاجتماعي والتأكيد على قيمة البحث النوعي في الكشف عن العمليات الاجتماعية.
في النظرية الأساسية، لا يقوم الباحثون بصياغة الفرضيات قبل جمع البيانات. وبدلاً من ذلك، ينبغي توليد الفرضيات من البيانات وينبغي أن تكشف عن المشاكل الرئيسية التي يواجهها المشاركون وحلولها. في هذه العملية، كل حدث في البيانات هو الوحدة الأساسية للتحليل، وليس فقط الفرد الذي تتم دراسته.
تتضمن عملية تحليل النظرية الأساسية عدة خطوات أساسية. الخطوة الأولى هي ترميز النص، وهي العملية التي تبدأ بالسطر الأول من البيانات من المقابلة الأولى. بمجرد جمع البيانات، تم ترميز أجزاء صغيرة من النص سطرًا بسطر، وتم تحديد المفاهيم المفيدة.
والخطوة التالية هي دمج هذه المفاهيم، وصقلها، وكتابة نظرية.
في هذه العملية، سيقوم الباحث بربط الفئات المشفرة معًا بناءً على فئة مركزية (مفهوم مركزي) واستخدام تحليل الحالة السلبية لاختبار النموذج النظري. ومع مقارنة البيانات مرارا وتكرارا، سوف تظهر رؤى جديدة. إن توليد هذه الأفكار ودمجها سيشكل في نهاية المطاف أساس النظرية.
بعد الانتهاء من عملية الترميز، تصبح عملية تنظيم الأكواد في نموذج نظري أمرا بالغ الأهمية. تساعد النظرية المنظمة على توصيل الملاحظات بشكل فعال للآخرين وتضمن وجود روابط قوية بين الفئات.
عند كتابة النظرية النهائية، سيتم نسج الأدبيات الأكاديمية ذات الصلة في المقالة لتعزيز المنح الدراسية وقابلية قراءة النظرية.
إن البحث المبني على النظرية الأساسية لا يسمح بمراجعة الأدبيات مسبقًا لتجنب نمطية النتائج المحتملة. ينبغي قراءة الأدبيات أثناء مرحلة التجميع باعتبارها بيانات إضافية للمساعدة في المزيد من الترميز والمقارنة.
ملخصتوفر النظرية الأساسية للباحثين إطارًا مرنًا لتوليد مفاهيم جديدة وشرح السلوك البشري. وتتمثل خصوصية هذا النهج في أنه لا يعتمد على النظرية الموجودة أو مراجعة الأدبيات، بل على المفاهيم المستخرجة مباشرة من البيانات. وهذا يسمح للنظرية الأساسية بأن تعكس التجربة الإنسانية الغنية والمتنوعة. مع تطور المجتمع، هل سيتم تطبيق هذه المنهجية على نطاق أوسع وترويجها في مجالات أخرى؟