وضع كتاب تشارلز داروين "أصل الأنواع"، الذي نُشر عام 1859، الأساس لعلم الأحياء التطوري الحديث، والمفهوم الأساسي وراءه هو الانتقاء الطبيعي. تشرح هذه العملية بوضوح كيف تتكيف الأنواع مع بيئتها على مدى أجيال، مما يؤدي في النهاية إلى تشكيل أشكال بيولوجية جديدة.
إن الانتقاء الطبيعي ليس مجرد نظرية علمية فحسب، بل إنه يشكل أيضاً مفتاحاً لكشف أسرار الحياة. فهو يخبرنا عن العلاقات المتبادلة بين الأنواع وتطورها المستمر.
الانتقاء الطبيعي هو نظرية تعتمد على سلسلة من الملاحظات. ومبدأها الأساسي هو فكرة أن القدرة الإنجابية لكل نوع كافية للسماح لسكانه بالنمو بسرعة إذا لم تكن هناك قيود، ولكن لأن الموارد محدودة، فإن الكائنات الحية يجب الاختيار في المنافسة الشرسة من أجل البقاء. وهذا يثير فرضية مهمة: فالكائنات الحية التي تتمتع بقدرة أفضل على التكيف مع البيئة هي أكثر قدرة على البقاء ونقل سماتها إلى أبنائها.
إن الاختلافات بين الأفراد موروثة، وتقوم عملية الانتقاء الطبيعي باختيار المتغيرات الأكثر ملاءمة، مما يتسبب في تراكم هذه الاختلافات المواتية في السكان.
حصل داروين على قدر كبير من المعرفة حول التطور أثناء رحلته إلى سفينة بيجل. وخاصة الأنواع الموجودة في أمريكا الجنوبية، حيث أن مظهرها وتوزيعها الجغرافي ألهمه للتفكير في تغير الأنواع. أدرك تدريجيا أن الأنواع ليست ثابتة، بل تتطور مع تغير بيئتها.
"جاء مصدر إلهام داروين في تحويل الأنواع من الأنواع الفريدة الموجودة على الجزر المختلفة وتشابهها مع الحياة الأرضية."
"هل البشر مجرد نتاج عرضي للتطور، أم أنهم الجزء الأكثر خصوصية في العملية برمتها؟"
على الرغم من أن العديد من آليات التطور الأخرى حظيت بالاهتمام في العقود التي تلت داروين، فإن نظرية داروين في الانتقاء الطبيعي تظل حجر الزاوية في علم الأحياء. وفي العصر الحديث، ومع التقدم في علم الأحياء الجزيئي وعلم الوراثة، اكتسبت نظرية داروين دعماً علمياً أكثر وضوحاً.
الانتقاء الطبيعي ليس مفهومًا بيولوجيًا فحسب، بل إنه يؤثر بشكل عميق على فهمنا للحياة وتنوعها. تذكّرنا نظرية داروين بأن مصير الكائن الحي يتحدد من خلال قدرته على التكيف. كيف ستتطور الأنواع المستقبلية وتتكيف في مواجهة البيئة المتغيرة باستمرار؟