<ص> عندما نستكشف العالم الداخلي لمرضى الفصام، نجد أن الحدود بين أنفسهم والعالم الخارجي غالبًا ما تكون غير واضحة. وأشار تاوسك إلى أن حدوث هذه الحالة يرتبط بشكل وثيق بفقد المريض الوعي الذاتي. تذكرنا تجاربهم بالطفولة المبكرة، عندما لا يكون الأطفال قادرين بعد على التمييز بين أنفسهم والآخرين، وغالبًا ما يعتقدون أن والديهم أو آلهتهم لديهم نظرة ثاقبة لكل أفكارهم. عودة هذه الحالة النفسية تجعل المرضى يواجهون معضلة البحث عن السيطرة والتفسير. ص>يعتقدون أن أفكارهم وأحاسيس أجسادهم يتم التلاعب بها بواسطة آلة غير مفهومة، وقوة هذه الآلة تخيفهم. ص>
<ص> بالنسبة للعديد من الأشخاص المصابين بالفصام، لا تكون هلوساتهم غير مفهومة فحسب، بل توفر أيضًا إطارًا لتفسير الظواهر التي لا يمكن تفسيرها. وسوف يعتقدون خطأً أن هذه الآلات هي كيانات خارجية، وغالباً ما يعتقدون أن مشغلي هذه الآلات هم أشخاص معينون، عادة ما يكونون أطباء، مما يجعل أوهام الاضطهاد لديهم تستمر في التعمق. على سبيل المثال، وصفت الحالة الشهيرة لجيمس تيلي ماثيوز ذات مرة جهازًا يسمى "النول الهوائي" ويعتقد أنه يتحكم في أفكاره ومشاعره. ص>لاحظ تاوسك أن "آلات التأثير" التي وصفها المرضى كانت في كثير من الأحيان عبارة عن إسقاطات لأجسادهم وتعكس حاجة نرجسية طفولية سابقة. ص>
<ص> من هي الأصوات التي تقود هذه الروايات عن التلاعب المتصور؟ إنه سؤال يستحق التأمل. غالبًا ما يكون لقصص المرضى صدى في الأدب، كما هو الحال في رواية أحدهم طار فوق عش الوقواق، حيث يعتقد بطل الرواية "الرئيس" برودن أن كل شيء في مستشفى الأمراض العقلية هو "آلة" ويقع تحت سيطرة مجتمع تكنولوجي أكبر . وهذا يسمح لمفهوم "آلات التأثير" بتجاوز جذوره الذهانية وإثارة التفكير في التكنولوجيا والمجتمع نفسه. ص>أُرسل ماثيوز إلى مستشفى للأمراض العقلية في عام 1797 بسبب صراخه علنًا بكلمة "خيانة" في البرلمان البريطاني، وتم تفصيل هلوساته في كتاب نُشر عام 1810. ص>
<ص> عند مناقشة مفهوم تاوسك عن "آلات التأثير"، حتى أن البعض قارنه بالتلفزيون اليوم. اقترح الناشط جيري ماندر في كتاباته أن هناك أوجه تشابه بين التلفزيون و"آلة التأثير" الخاصة بتوسك، حيث أن كلاهما يعرض صور العالم الخارجي مباشرة في قلوبنا، مما يؤدي إلى تدفق المشاعر والتغيير في الاعتقاد. ويمكن القول أن هناك علاقة مرآة رائعة بين شكل الإعلام وأوهام مرضى الذهان. ص>لا يوجد هذا التشبيه للمجتمع التكنولوجي في الروايات فحسب، بل يستخدمه أيضًا بعض المؤلفين المتطرفين كأداة لانتقاد المجتمع الحديث. ص>
<ص> باختصار، توفر "آلة التأثير" لتاوسك منظورًا مهمًا لفهم الأوهام لدى مرضى الفصام، مما يسمح لنا باستكشاف العمليات التفاعلية الخارجية والداخلية وراء الظواهر النفسية بشكل أفضل. وهذا ليس مجرد فهم لعلم النفس الفردي، ولكنه أيضًا انعكاس عميق لتأثير التكنولوجيا الاجتماعية الحديثة على نفوسنا. إذن، في هذا العصر المليء بالتكنولوجيا والبصيرة، هل نبحث أيضًا عن نوع من الحقيقة في نفس الوهم؟ ص>كل هذا يذكر الناس بأنه في عالم اليوم المتقدم تقنيًا بشكل متزايد، سواء كانت أفكارنا وتصوراتنا للواقع لا تزال ملكنا، أو ما إذا كانت تتأثر بالتعديلات المستمرة. ص>