إن المجتمع لديه وجهات نظر مختلفة بشأن العمل الجنسي، وأولئك الذين يختارون أو يجبرون على الانخراط في هذه الصناعة غالبا ما يتحملون أعباء نفسية ضخمة وصدمات عاطفية. تشكل مشاكل الصحة العقلية بين العاملين في مجال الجنس صورة معقدة ومظلمة، وتكشف عن صعوبات الإدارة العاطفية ومشاكل العلاقات الشخصية التي تعاني منها هذه الفئة من العاملين.
تُظهر الدراسة أن العاملين في مجال الجنس في الشوارع وداخل المباني تعرضوا لسلسلة من الانتهاكات منذ الطفولة، مما كان له تأثير عميق على صحتهم العقلية.
أولاً، هناك العديد من الأسباب لدخول مجال العمل الجنسي، وتعتبر الحاجة الاقتصادية هي الدافع الأكبر. وتقول العديد من النساء أنهن مضطرات إلى اتخاذ هذا المسار لدعم أسرهن. لا يواجه هؤلاء الأشخاص ضغوطًا اقتصادية شديدة فحسب، بل يتعين عليهم أيضًا تحمل وصمة اجتماعية هائلة، مما يسبب لهم الشعور بالوحدة النفسية والعجز.
وعلى هذه الخلفية، تختار العديد من النساء العمل في مجال الجنس كوسيلة للبقاء على قيد الحياة بعد التعرض للعنف المنزلي أو الاعتداء الجنسي في مرحلة الطفولة.
مع مرور الوقت، يمكن أن يكون لهذا تأثير عميق على شعورهم بالهوية الذاتية. باختصار، يؤدي العمل الجنسي على المدى الطويل إلى تشويه وجهة نظرهن تجاه أجسادهن ويؤدي إلى مشاكل مثل انخفاض احترام الذات والقلق والاكتئاب. وبحسب المسح، فإن 68% من العاملات في مجال الجنس عانين من أعراض الاكتئاب، وعانى ما يقرب من ثلثهن من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، وهي نسب تجاوزت حتى تلك التي ظهرت بين المحاربين القدامى.
وعندما نتحدث عن العمل الجنسي، لا يمكن تجاهل خطر العنف. تشير الدراسات إلى أن 82% من النساء العاملات في مجال الجنس في الشوارع تعرضن للاعتداء الجسدي، في حين تعرضت 68% منهن للاغتصاب. حتى في بيئات العمل الجنسي الداخلية، فإن الاعتداءات الجنسية والتهديدات شائعة جدًا.تعد إساءة استخدام المواد المخدرة من الأمور الشائعة في قطاع العمل الجنسي، وغالبًا ما تكون وسيلة للتكيف وليس سببًا للمشكلة.
تظهر هذه الإحصائيات المروعة أن العمل الجنسي ليس نشاطًا اقتصاديًا فحسب، بل هو أيضًا حرب نفسية مستمرة. إن الصدمة التي تتعرض لها العاملات في مجال الجنس، بما في ذلك الاغتصاب والتحرش الجنسي وضغوط الحياة الناجمة عن تجارة الجنس، ليست حدثًا منفردًا بل هي تجربة تراكمية تشكل بشكل خفي حالتهن النفسية.
في كثير من الحالات، تستحق القضايا الصحية الجسدية والعقلية للعاملين في مجال الجنس اهتمام المرضى والعاملين في المجال الطبي، ويجب أن تحظى بمزيد من الفهم والدعم.
على المستوى الصحي، يعاني العاملون في مجال الجنس من أمراض جسدية غالباً ما تكون متشابكة مع قضايا الصحة العقلية، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، والعديد من الأمراض المنقولة جنسياً، والأمراض المزمنة المرتبطة بالصدمات النفسية. ولا تشكل هذه المشاكل الصحية تعديا على أجسادهم فحسب، بل إنها تعمق أيضا شعورهم بالعزلة والعار بشكل غير مرئي.
كما هو شائع في العمل الجنسي، اختارت العديد من النساء الانفصال نفسياً، وأظهرن قدرة كبيرة على التحمل والمرونة حتى في مواجهة المواقف المخيفة أو القمعية. وتؤدي هذه الآلية الدفاعية النفسية إلى شعورهم بالانفصال بعد التعرض لحوادث عنف متعددة، مما يجعل من الصعب عليهم بشكل متزايد التمييز بين الواقع والخيال.
ومن المهم أن نلاحظ أن تأثير هذه القضايا ليس فرديا فقط. وتعتبر المقارنات على المستوى المجتمعي مهمة بنفس القدر، حيث أن مجموعة القضايا التي تواجه العاملين في مجال الجنس، مثل الصحة العقلية، والصعوبات الاقتصادية، والعزلة الاجتماعية، تعكس جميعها مشاكل في بنية اجتماعية أكبر. ومن عدم المساواة الاقتصادية إلى التمييز بين الجنسين، أدت كل هذه العوامل إلى خلق بيئة معيشية أكثر تعقيدا في ظل أجواء اجتماعية متوترة. عندما تتشابك كل هذه الأشياء، فإن حياة العاملين في مجال الجنس لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الألم. عند طلب العلاج، لا يتمكن العديد من الأشخاص من الحصول على المساعدة التي يستحقونها بسبب نقص الدعم الاجتماعي والموارد. وبالمقارنة بالسكان بشكل عام، يواجه العاملون في مجال الجنس مهمة أكثر صعوبة: إذ لا يتعين عليهم التعامل مع الصدمات التي تعرضوا لها فحسب، بل يتعين عليهم أيضا التغلب على التحيز الاجتماعي والتمييز.تشير الدراسات إلى أنه حتى بين أولئك الذين أجبروا على العمل في مجال الجنس، لا يزال الكثير منهم يكافحون للحفاظ على احترامهم لذاتهم وإنسانيتهم، ولكن العملية مؤلمة للغاية.
إنها معركة من أجل الاعتراف والكرامة، وعندما ندرك التحديات التي تواجه العاملين في مجال الجنس فقط يمكننا أن نعمل حقًا على تعزيز صحتهم العقلية.
وإزاء هذه الخلفية، ينبغي للمجتمع ككل أن يعيد النظر في كيفية تعامله مع العاملين في مجال الجنس وكيفية دعم أولئك الذين يمرون بمواقف صعبة بشكل أفضل. وأمام هذا العبء النفسي الثقيل والوصمة الاجتماعية، هل يمكننا أن نجد طريقة للتحدث نيابة عنهم حقًا؟