يعتبر فيلهلم فونت بلا شك أحد أهم الشخصيات في تاريخ علم النفس. ولم يكن أحد مؤسسي علم النفس فحسب، بل كان أيضًا رائدًا في التمييز بين علم النفس والفلسفة وعلم الأحياء. في عام 1879، أنشأ فونت أول مختبر مخصص لإجراء التجارب النفسية في جامعة لايبزيج. ويُعَد هذا الحدث على نطاق واسع بمثابة إيذان بميلاد علم النفس رسميًا كتخصص مستقل.
يُعرف فيلهلم فونت بأنه "أبو علم النفس التجريبي" لأنه قام بتحويل أسلوب البحث في علم النفس من التفكير الفلسفي إلى التحليل التجريبي العلمي.
ولد فيلهلم فونت في 16 أغسطس/آب 1832 في نيكارا، بادن، وهو ابن قس لوثري. عندما كان في السادسة من عمره، انتقلت عائلته إلى هايدرشايم، وهي بلدة صغيرة كان لها تأثير مهم على تعليمه المبكر وتفكيره الحر. خلفيته العائلية الصعبة دفعته إلى اختيار مسار الطب والعلم في المستقبل.
منذ عام 1851 درس فونت في جامعات توبنغن، هايدلبرغ وبرلين. بعد حصوله على الدكتوراه في الطب من جامعة هايدلبيرج، انضم إلى هيئة التدريس في الجامعة وأجرى أبحاثًا فسيولوجية مع هلمهولتز. ومن إنجازاته الأكاديمية نشر مساهمات في نظرية الإدراك الحسي، التي لعبت دوراً هاماً في تطوير علم النفس.
في عام 1879، أنشأ فونت أول مختبر متخصص في علم النفس في جامعة لايبزيج. وقد اعتُبِرت هذه الخطوة بمثابة إشارة إلى أن علم النفس أصبح مستقلاً عن الفلسفة وعلم الأحياء وأصبح علمًا. وقد جذب مختبره العديد من طلاب وعلماء علم النفس وأصبح مركزًا لأبحاث علم النفس التجريبي.
علم النفس هو علم الوعي، الذي يهدف إلى فهم العمليات العقلية المعقدة مثل العاطفة والإدراك والإرادة.
روج فونت لمجموعة من الأساليب التجريبية، مثل استخدام اختبارات حسية مختلفة لاستكشاف الظواهر النفسية. تركز أبحاثه على بنية الوعي وكيفية تفاعل العمليات النفسية مع بعضها البعض. كان كتابه "مبادئ علم النفس الفسيولوجي" أول كتاب مدرسي في علم النفس التجريبي ولا يزال مؤثرًا حتى يومنا هذا.
باعتباره مرشدًا، أشرف فونت على 185 طالب دكتوراه، بما في ذلك العديد ممن أصبحوا علماء نفس مشهورين، مثل جيمس ماكين كاتيل، أحد مؤسسي علم النفس الأمريكي. وتنتشر سلالته الأكاديمية في جميع أنحاء العالم، مما ساهم في تعزيز تطور علم النفس.
"لا أريد فقط إنشاء علم علم النفس، بل أريد أيضًا تعزيز تطبيقه في المجتمع."
على الرغم من أن فونت واجه بعض الانتقادات في الولايات المتحدة خلال منتصف القرن العشرين، إلا أن أبحاثه ومنهجيته كان لها تأثير عميق على علماء النفس اللاحقين. وقد قلبت آراؤه النفسية إلى حد كبير التعريف التقليدي لعلم النفس، حيث عرفت علم النفس بأنه الاستكشاف العلمي للوعي. ولم تقتصر أبحاثه على علم وظائف الأعضاء والعلوم الإنسانية فحسب، بل مهدت الطريق أيضًا للتطور المتنوع لعلم النفس.