الإدارة العلمية، كنظرية إدارية، مليئة بالإلهام لتحليل وتركيب عمليات العمل، بهدف تحسين الكفاءة الاقتصادية، وخاصة إنتاجية العمل. إن جوهر هذه النظرية هو تحسين عملية العمل من خلال أسلوب علمي منهجي. ومناصري هذه النظرية هو فريدريك وينسلو تايلور من الولايات المتحدة. بدأ تطوير هذه النظرية في صناعة التصنيع الأمريكية، وخاصة صناعة الصلب، في ثمانينيات وتسعينيات القرن التاسع عشر.
وعلى الرغم من وفاة تايلور في عام 1915، فإن عناصر الإدارة العلمية استمرت في لعب دور مهم في مجالات الهندسة الصناعية والإدارة اللاحقة، بما في ذلك التحليل وتوحيد أفضل الممارسات وتعزيز أخلاقيات العمل. ظهر التأثير الأوسع لهذا المفهوم الإداري في أوائل القرن العشرين، مما أرسى الأساس للعديد من النظريات الإدارية اللاحقة.إن الغرض من الإدارة العلمية هو القضاء على الهدر غير الضروري وتحقيق أعلى كفاءة في العمل.
يمكن إرجاع أصل الإدارة العلمية إلى عام 1877، عندما عمل تايلور كاتبًا في شركة ميدفيل ستيل في الولايات المتحدة. ومع استمرار ترقيته، أصبح مرتبكًا بشأن كفاءة الإنتاج لدى العمال. وبما أن العمال عادة ما ينتجون أقل من ثلث ما اعتبره كمية جيدة من العمل، فقد قرر تايلور استخدام الأساليب العلمية للعثور على الوقت القياسي الأمثل لكل وظيفة. وقد أدت هذه الرغبة إلى استكشافه الأولي للإدارة العلمية.
اكتشف تايلور أن كفاءة العمال لا تعتمد فقط على قدراتهم الشخصية، بل تتأثر بأساليب عملهم والبيئة المحيطة بهم.
وقد تمت ترقية هذه النظرية لاحقًا من قبل عدد من خبراء الإدارة الذين عملوا معًا لاستكشاف كيفية تحسين الإنتاجية من خلال العمليات الموحدة. أصبحت "دراسة الحركة" وطرق الإدارة التجريبية التي ابتكرها تايلور الأساس لمدارس الإدارة الأخرى في وقت لاحق، مما شكل سلسلة متطورة من مفاهيم الإدارة.
في كتابه "مبادئ الإدارة العلمية"، ذكر تايلور المبادئ الأربعة للإدارة العلمية. الأول هو تطوير علم حقيقي، الأمر الذي يتطلب تحليلا مفصلا لكل جزء من العمل والخطوات المطلوبة. بعد ذلك يتم اختيار العمال بشكل علمي بحيث يتم تعيين الأشخاص الأكثر ملاءمة للوظائف الأكثر ملاءمة. وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتلقى العمال التعليم والتدريب العلمي، وأخيرا، فإن التعاون بين الإدارة والعمال هو المفتاح لضمان جودة العمل.
إن الإدارة العلمية ليست مسؤولية العمال فقط، بل يجب على المديرين أيضًا أن يتحملوا مسؤولية ضمان بيئة عمل جيدة.
تؤكد هذه المبادئ على أن إنشاء عمليات وتصاميم فعالة في العمل يمكن أن يؤدي إلى زيادة الإنتاجية مع تحسين ظروف العمل للعمال. وزعم تايلور أنه عندما تعكس وظائف الموظفين مهاراتهم بشكل كامل، فإن إنتاجيتهم ستزداد بشكل كبير.
ظهرت الإدارة العلمية، وهي فلسفة تدعو إلى استخدام الأساليب التجريبية لتحديد عمليات العمل الفعالة، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وقد عكس هذا توقعات العمال بتحسين الكفاءة في ذلك الوقت، عندما كان المجتمع بشكل عام يسعى إلى تحقيق طلب متزايد على الكفاءة الاقتصادية. أدت نظرية الكفاءة التي وضعها تايلور إلى تحسينات كبيرة في كفاءة الإنتاج، وهو ما يعني أنه يمكن إنتاج نفس الكمية من المنتجات باستخدام عدد أقل من الموظفين أو ساعات العمل.
ورغم أن هذا قد يؤدي إلى انعدام الأمن الوظيفي لبعض العمال في الأمد القريب، فإن معظم خبراء الاقتصاد يعتقدون أن مثل هذه المكاسب في الكفاءة من شأنها أن تعزز النمو الاقتصادي الإجمالي وتحسن مستويات معيشة المستهلكين في الأمد البعيد.قد يؤدي ارتفاع الإنتاجية إلى بطالة هيكلية في سوق العمل، وخاصة عندما يتم إدخال تكنولوجيا الأتمتة.
لقد أدى تعزيز الإدارة العلمية إلى حدوث احتكاك في العلاقات المبكرة بين العمل ورأس المال. ورغم أنه لم تكن هناك أي إضرابات تقريباً في المصانع التي أدخلت الإدارة العلمية بين عامي 1882 و1911، إلا أن النقابات العمالية بدأت تشعر بالتهديد تدريجياً مع انتشار هذا المفهوم، مما دفع زعماء العمال إلى معارضة الإدارة العلمية بشدة.
ركزت المعارضة النقابية في المقام الأول على حقيقة أن الإدارة العلمية من شأنها أن تضر بأجور العمال وظروف العمل.
ولذلك، واستجابة لتطور الإدارة العلمية، بدأت النقابات العمالية في تعزيز دفاعها عن حقوق العمال، مما جعل العلاقات بين العمال ورأس المال أكثر تعقيدا. تعكس هذه العملية التوازن الدقيق بين فلسفة الإدارة وحقوق العمال، كما تثير التفكير العميق والنقد لأساليب الإدارة الجديدة.
لا يزال مفهوم الإدارة العلمية يؤثر على طريقة عملنا. فكيف يمكننا إذن تحقيق التوازن بين الكفاءة والرعاية الإنسانية في بيئة العمل المستقبلية؟