الأنسولين هو هرمون ببتيدي تنتجه خلايا بيتا في البنكرياس ويلعب دورًا مهمًا للغاية في الحفاظ على الوظائف الفسيولوجية الطبيعية لجسم الإنسان. وظيفتها الرئيسية هي تنظيم عملية التمثيل الغذائي للكربوهيدرات والدهون والبروتينات وخفض مستويات السكر في الدم عن طريق تعزيز امتصاص الجلوكوز في الدم. هذا الهرمون، الذي كان موضوعًا لأكثر من 60 عامًا من البحث العلمي، يخفي العديد من الأسرار المذهلة منذ نشأته وحتى تطبيقه السريري الحالي.
يعتبر الأنسولين الهرمون الاصطناعي الأساسي في الجسم، حيث يساعد على تحويل الجزيئات الصغيرة في الدم إلى جزيئات أكبر في الخلايا.
في جسم الإنسان، يتم إفراز الأنسولين بواسطة خلايا بيتا البنكرياسية الموجودة في البنكرياس. وعندما يرتفع تركيز السكر في الدم، تستشعر هذه الخلايا التغيير وتفرز الأنسولين بسرعة لتسريع امتصاص الشوائب. يعمل الأنسولين على تعزيز امتصاص الجلوكوز في الدم بواسطة الأنسجة مثل الكبد والدهون والعضلات الهيكلية، ويحوله إلى جليكوجين أو دهون. إذا كان مستوى السكر في الدم منخفضًا جدًا، فسيتم تثبيط إطلاق الأنسولين للحفاظ على استقرار مستوى السكر في الدم.
ومع ذلك، فإن نقص الأنسولين أو فشله يمكن أن يؤدي إلى أمراض التمثيل الغذائي مثل مرض السكري. في مرض السكري من النوع الأول، يتم تدمير خلايا بيتا في الجسم بواسطة الجهاز المناعي وتصبح غير قادرة على إنتاج وإفراز الأنسولين. يحدث مرض السكري من النوع الثاني بسبب مقاومة الأنسولين وانخفاض وظيفة خلايا بيتا. ويؤدي هذا إلى منع تحويل سكر الدم بشكل فعال، مما يؤدي في النهاية إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم. يعود تاريخ الأنسولين إلى عام 1921، عندما قام العالمان الكنديان فريدريك باندينج وتشارلز بيست بعزل الأنسولين من بنكرياس الكلاب لأول مرة. وقد فتح هذا الاكتشاف فصلاً جديدًا في علاج مرض السكري في جميع أنحاء العالم. لقد أصبح الأنسولين اليوم عنصرا هاما في قائمة الأدوية الأساسية لمنظمة الصحة العالمية.يمكن أن تؤدي التركيزات العالية من الأنسولين أيضًا إلى تثبيط إنتاج وإفراز الجلوكوز في الكبد بشكل كبير، وبالتالي خفض مستويات السكر في الدم.
الأنسولين ليس مقتصرا على الفقاريات؛ حيث تم العثور على بروتينات شبيهة بالأنسولين أيضا في بعض الفطريات والطلائعيات، مما يشير إلى أن أصوله يمكن إرجاعها إلى مليار عام.
إن البنية الجزيئية للأنسولين معقدة للغاية أيضًا. يتكون كل جزيء من الأنسولين من 51 حمضًا أمينيًا ويرتبط بسلسلتين من البولي ببتيد (السلسلة A والسلسلة B). ترتبط السلسلتين بروابط ثنائية الكبريتيد لتكوين بنيتها النشطة بيولوجيًا. يظل هذا البناء الفريد مستقرًا إلى حد كبير في جميع أنحاء مملكة الحيوان، مما يشير إلى أن الأنسولين ظل محفوظًا بقوة أثناء التطور.
الأنسولين عبارة عن مونومر في حالته النشطة، ولكن من حيث التخزين والاستقرار، فإنه يوجد عادة على شكل سداسي، يحتوي في بنيته على ذرات الزنك.
يأتي إطلاق الأنسولين في مرحلتين. إن الاستجابة في المرحلة الأولية تكون سريعة وقصيرة الأمد، مع زيادة إطلاق الأنسولين مع ارتفاع مستويات الجلوكوز في الدم. المرحلة الثانية هي إطلاق مستمر للأنسولين الذي تم تصنيعه حديثًا والذي يمكن أن يستمر لعدة ساعات، وتنظيم هذه المرحلة يعتمد على جاهزية الجزيئات.
ومن المثير للاهتمام أنه حتى أثناء تناول الوجبات، فإن إطلاق الأنسولين ليس مستمراً، بل يحدث في موجات دورية تتراوح من 3 إلى 6 دقائق، مما قد يساعد في منع تدهور مستقبلات الأنسولين في الخلايا المستهدفة ويساعد الكبد أيضاً على استخراج الأنسولين بكفاءة.يعد نمط الإطلاق النابض للأنسولين مهمًا بشكل خاص عند التفكير في إعطاء الأنسولين، لأنه يضمن عدم حدوث تركيزات عالية ومستدامة بشكل مفرط أثناء العلاج.
أثبت المجتمع العلمي في الوقت الحالي أن نقص الأنسولين أو اختلال وظيفته يرتبط ارتباطًا مباشرًا بمجموعة متنوعة من الأمراض المزمنة، مثل مرض الزهايمر. وأظهرت الأبحاث أن إنتاج الأنسولين داخل الدماغ يلعب دورا رئيسيا في الحفاظ على صحة الجهاز العصبي.
وأخيرًا، لم يؤثر اكتشاف الأنسولين وتخليقه على علاج مرض السكري فحسب، بل قدم أيضًا اتجاهًا بحثيًا مهمًا مع تطبيقات محتملة في إدارة مرض السكري وغيره من المجالات المرتبطة بالتمثيل الغذائي. فهل سنتمكن في المستقبل من فهم هذا الهرمون المذهل وتطبيقه بشكل أفضل لتحسين صحة الإنسان؟