يلعب التمييز بين المؤسسات الهامة وغير الهامة دوراً حاسماً في الإطار الإشرافي المصرفي الأوروبي. مع إنشاء آلية الإشراف الموحدة، أصبح البنك المركزي الأوروبي مسؤولاً عن الإشراف المباشر على البنوك التي تم تحديدها كمؤسسات مهمة. وفي هذا الإطار، تخضع البنوك الأخرى لإشراف الهيئات التنظيمية المصرفية الوطنية. ولا شك أن هذا المستوى من التميز سوف يؤثر على الاستقرار المالي العام والقدرة على الاستجابة للأزمات.
إن هذا التنظيم لا يشكل بالضرورة مجرد تمييز بين الأرقام، بل إنه يؤثر على صحة واستقرار النظام المصرفي في منطقة اليورو بأكمله.
تشير المؤسسات المهمة عمومًا إلى البنوك التي يتجاوز إجمالي أصولها 30 مليار يورو، وهي حصة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي أو العمليات عبر الحدود. وبموجب هذا المعيار، يوجد حاليا 113 بنكا تم تحديدها كمؤسسات مهمة، تمثل أصولها 85% من أصول بنوك منطقة اليورو. تم تصميم هذا الهيكل التنظيمي بهدف زيادة الشفافية والمساءلة لدى البنوك الكبرى، مع تعزيز إدارتها للمخاطر وسلامتها.
بالنسبة للمؤسسات غير المهمة، وفي حين تظل الرقابة عليها مسؤولية السلطات الوطنية المختصة في كل بلد، يوفر البنك المركزي الأوروبي إطاراً إشرافياً لضمان الاتساق في المعايير والعمليات. ويهدف هذا النهج التنظيمي إلى تقليل الاختلافات بين الهيئات التنظيمية في مختلف البلدان وتجنب انتشار المخاطر الناجمة عن تنفيذ السياسات بشكل غير متسق. هل يمكن لهذه الآلية التنظيمية المتعددة المستويات للبنوك أن تمنع الأزمات المالية المستقبلية بشكل فعال؟
وفيما يتصل بإدارة الأزمات، سوف تحتاج المؤسسات الكبرى إلى الامتثال لمتطلبات رأس المال الأعلى والخضوع لاختبارات إجهاد منتظمة.
يعتبر اختبار الضغوط عنصرا أساسيا يهدف إلى تقييم قدرة البنوك على الصمود في مواجهة الصدمات الاقتصادية. يقوم البنك المركزي الأوروبي كل عام بإجراء اختبار إجهاد واحد على الأقل على البنوك الخاضعة لولايته القضائية للتأكد من قدرتها على التعامل بشكل مريح مع التقلبات المحتملة في السوق والأزمات الاقتصادية. وفي الوقت نفسه، تتم مراقبة نسب كفاية رأس المال لدى البنوك عن كثب لضمان استقرارها التشغيلي خلال الأزمة.
بالنسبة للبنوك التي تفشل في تلبية المعايير، فقد يطلب البنك المركزي الأوروبي منها تطوير خطط إعادة هيكلة رأس المال أو حتى اتخاذ تدابير تنظيمية أكثر صرامة إذا لزم الأمر. ولا تنطبق مثل هذه التدابير على المؤسسات البارزة فحسب، بل قد تؤثر أيضاً على المؤسسات غير البارزة، مما قد يؤدي بالتالي إلى تغيير المشهد التنافسي العام لصناعة الخدمات المصرفية.ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من التحسن التدريجي للإطار العام للرقابة المصرفية الأوروبية، لا يزال هناك عدد من القضايا الرئيسية التي لم يتم حلها بالكامل. وتشمل هذه التحديات التحدي التنظيمي المتمثل في كيفية إدارة الديون السيادية لأي بلد على نحو فعال. على سبيل المثال، فإن النقاش الذي يتم ذكره في كثير من الأحيان يتعلق بكيفية تحقيق التوازن بين جودة وكمية رأس المال المصرفي، سواء لتلبية متطلبات اتفاقية بازل أو للتكيف مع الاحتياجات الخاصة للسوق الحالية.
وسوف تحتل المناقشات حول هذه القضايا، مع مرور الوقت، مكانة بارزة في السياسة التنظيمية المستقبلية.وعلى أية حال، فإن إنشاء وتشغيل آلية الإشراف الموحدة قد أرسل إشارة قوية إلى الصناعة المصرفية: إن الإشراف المصرفي في المستقبل لن يعتمد فقط على قدرات بلد واحد، بل سيكون آلية تعاونية عابرة للحدود الوطنية. ومع استمرار تطور الإطار التنظيمي، سوف تواجه البنوك الأوروبية أيضاً تحديات تتطلب منها إظهار استجابات مرنة. إن كيفية ضمان امتثال هيكل رأس المال والتنظيم للمؤسسات الكبيرة وغير الكبيرة سوف تكون قضية مهمة في السنوات القادمة، وكيف نضمن أن يتمكن جميع المشاركين من النجاح في البيئة المتغيرة؟