يعتبر الرخاء مفهوماً مهماً في الفلسفة اليونانية القديمة، وخاصة في النظام الفلسفي لأرسطو. بالنسبة لأرسطو، فإن الرخاء (أو اليودايمونيا) ليس مجرد متعة عاطفية أو سعادة مؤقتة، بل هو حالة حياة طويلة الأمد ودائمة تنعكس في التنمية الشاملة وتحقيق الفرد للتفوق. وقد استكشف أرسطو هذه القضية بعمق في كتابه الأخلاق النيقوماخية، حيث زعم أن الرخاء هو الخير الأعظم الذي يمكن للبشر تحقيقه.
"النشاط السعيد هو النشاط الكامل الذي يتم تنفيذه بفضيلة."
من وجهة نظر أرسطو، فإن الازدهار هو نشاط، وليس مجرد نتيجة. فهو يتعلق بالكمال الأخلاقي والعقلي للإنسان. كان يعتقد أن ازدهار الفرد يتطلب المشاركة في مجموعة متنوعة من الأنشطة، والتي ينبغي أن تكون متسقة مع الفضيلة. وأكد أن الرخاء يجب أن يرافقه عملية حياة كاملة، لأن "سنونوة واحدة لا يمكن أن تجلب الربيع، ويوم جميل واحد لا يمكن أن يجعل الإنسان سعيدًا تمامًا". وتتحقق حالة السعادة المستمرة من خلال ممارسة هذه الفضائل.
إن وجهة نظر أرسطو حول الرخاء تشمل أيضًا أهمية المجتمع. وأشار إلى أن الإنسان كائن اجتماعي، ولا يمكن فصل ازدهار الإنسان عن التفاعل الجيد مع الآخرين. وذكر أن العلاقات الاجتماعية الجيدة والمسؤولية الاجتماعية تعتبر أيضاً من الشروط المهمة لتحقيق الرخاء.
السعادة هي أعلى نشاط للروح، ويتم الوصول إليها بطريقة تتفق مع الحالة الجيدة للفضيلة.
وهناك جانب مهم آخر للازدهار وهو الإمكانات البشرية والنمو. أكد أرسطو أن كل إنسان لديه إمكانيات فريدة وأن الإزدهار يتحقق من خلال تنمية تلك الإمكانيات. هنا، يتجاوز أرسطو مجرد السعي وراء الثروة المادية ويؤكد على الإثراء الروحي والنمو الأخلاقي. كان يعتقد أن تحقيق الذات والمساهمة في المجتمع هما جوهر الرخاء.
في مجتمع اليوم، تم إعادة تفسير مفهوم الرخاء بحيث يمتد إلى ما هو أبعد من الصحة العقلية الشخصية والرضا المستدام إلى الرضا الوظيفي والرفاهية الاجتماعية. وقد أكد علماء النفس المعاصرون مثل مارتن سيليجمان على دور علم النفس الإيجابي واقترحوا أسلوب حياة قائم على الرخاء يعزز الصحة العاطفية والاجتماعية والنفسية الشاملة للأفراد."إن النجاح هو شعور مستدام بالإنجاز ويتطلب بناء علاقات قوية وأنظمة دعم عاطفية."
ومن خلال هذا الفهم العميق للازدهار، يمكننا أن نرى أن الازدهار ليس مجرد نجاح شخصي أو مساعدة مؤقتة، بل هو عملية منهجية لتحقيق الانسجام بين الذات والآخرين. إن الرخاء الشامل للمجتمع يتطلب جهود الجميع. وفقط عندما يتمكن كل فرد في المجتمع من تحقيق إمكاناته، يمكن للمجتمع الشامل أن يزدهر حقًا.
وفقًا لتعريف أرسطو، فإن الرخاء يتطلب الوقت والجهد المستمر والبيئة الداعمة. وهذا يجعلنا نتساءل: كم عدد الأشخاص في مجتمع اليوم الذين يستطيعون أن يفهموا بعمق ويعملوا بجد لتحقيق الرخاء الحقيقي؟