لا تؤثر سيولة الغشاء على بنية الخلايا فحسب، بل تلعب أيضًا دورًا رئيسيًا في نقل الجزيئات الحيوية وتفاعلها.
أثبتت الدراسات أن ارتفاع درجات الحرارة يتسبب في امتصاص الدهون للطاقة الحرارية. هذه الطاقة الزائدة تجعل الدهون أكثر نشاطًا في الغشاء، مما يتسبب في ترتيبها وإعادة تنظيمها بشكل عشوائي، وبالتالي زيادة سيولة الغشاء. وعلى العكس من ذلك، عندما تنخفض درجة الحرارة، سيتم ترتيب الدهون بطريقة منظمة ومستقرة ومرتبطة بإحكام مع بعضها البعض، مما يؤدي إلى انخفاض السيولة.
وفي هذه العملية، يلعب تشبع الأحماض الدهنية أيضًا دورًا حيويًا. لا تحتوي الأحماض الدهنية المشبعة على روابط مزدوجة في سلاسلها الهيدروكربونية، مما يعني أنه يمكن ضغطها بشكل أكثر إحكامًا، مما يجعل الغشاء أقل سيولة. تحتوي الأحماض الدهنية غير المشبعة على رابطة مزدوجة واحدة على الأقل، وهذا البناء يتسبب في "انحناء" سلسلة الهيدروكربون، مما يزيد من سيولة الغشاء.
ومع تقدم الأبحاث، اكتشف العلماء أن وجود أربع روابط مزدوجة أو أكثر أظهر ارتباطًا إيجابيًا مباشرًا بسيولة الغشاء.
بالإضافة إلى الأحماض الدهنية، فإن إضافة الكوليسترول هي أيضًا عامل رئيسي في تنظيم سيولة الغشاء. يمكن للكوليسترول أن يعمل على تثبيت بنية الغشاء في درجات الحرارة المرتفعة، ولكن في درجات الحرارة المنخفضة، يمكنه التدخل بين الدهون، وتعزيز الفجوات بينها، ومنع التجمع المفرط، وبالتالي الحفاظ على السيولة.
تتأثر سيولة الغشاء بالبيئة والتكوين. بالنسبة للعوامل البيئية، فإن التغيرات في درجات الحرارة هي الأكثر بديهية. على سبيل المثال، في ظل ظروف درجات الحرارة المرتفعة، يتم تعزيز نشاط الدهون بشكل كبير وتزداد سيولة الغشاء بشكل كبير. أما بالنسبة للعوامل التركيبية، فإن طول ودرجة عدم تشبع الدهون المختلفة يمكن أن يغير بشكل كبير الخصائص الفيزيائية للغشاء.
نقطة الانصهار (Tm) للفيلم هي درجة الحرارة التي يتغير عندها الفيلم من الحالة البلورية إلى الحالة السائلة. هذا الانتقال ليس تغييرًا حقيقيًا للحالة، بل هو انتقال بين الحالة الصلبة والسائلة لغشاء الخلية. عند 37 درجة مئوية، فإن وجود الكوليسترول يمكن أن يجعل بنية الغشاء أكثر استقرارا وكثافة.
لا تؤثر سيولة الأغشية الخلوية على الوظائف الداخلية فحسب، بل تنظم أيضًا نقل الإشارات ونقل المواد.عدم تجانس الخصائص الفيزيائية للغشاء
قد تحتوي الأغشية البيولوجية على مجالات دهنية منفصلة ذات تركيبات مختلفة تختلف في سيولتها، والتي يمكن تصورها بواسطة المجهر الفلوري. تحدث ظاهرة مماثلة في الأغشية الخلوية، والتي تسمى الطوافات الدهنية، والتي يعتقد أنها تلعب دورا هاما في الوظائف البيولوجية. على سبيل المثال، فإن الغلاف الدهني الحلقي الضيق الذي يتلامس مع بروتينات الغشاء المتكاملة يكون ذو سيولة منخفضة مقارنة بكمية الدهون الموجودة في الأغشية البيولوجية.
يمكن قياس سيولة الغشاء باستخدام طرق مثل الرنين المغزلي للإلكترون، أو الفلورسنت، أو المجهر الذري للقوة، أو مطيافية الرنين النووي المغناطيسي للديوتيريوم. تكمن قوة كل من هذه التقنيات في الإطار الزمني الذي يمكن مراقبتها خلاله. على سبيل المثال، في رنين الدوران الإلكتروني، يتم استخدام سلوك مسبار الدوران لوصف سيولة الغشاء، في حين يتم تحليل قانون الفلورسنت من خلال التباين الثابت للمسبار.
غالبًا ما تعمل الكائنات الحية الدقيقة التي تواجه الإجهاد الحراري على تغيير التركيب الدهني لأغشية خلاياها، وهي القدرة على تنظيم سيولة الغشاء بشكل نشط للتكيف مع البيئة. تؤثر سيولة الغشاء على وظائف الجزيئات الحيوية المتعلقة ببنية الغشاء، مثل ارتباط بعض البروتينات بالغشاء ومعدل انتشار الإنزيمات. وهذا، بدوره، قد يؤثر أيضًا على العمليات الهامة داخل الخلايا مثل البلعمة الخلوية ونقل الإشارة.
تتحد هذه العوامل المختلفة للتأثير على كيفية عمل الخلايا وقدرتها على التكيف، مما يدفعنا إلى التساؤل عن مدى أهمية الحفاظ على سيولة الغشاء المثالية لصحة الخلية على المدى الطويل.