جوهر فرضية الاعتماد على وسائل الإعلام هو أنه كلما اعتمد الشخص على وسائل الإعلام لتلبية احتياجاته، زادت أهمية وسائل الإعلام في حياته، مما يؤثر بدوره على سلوكه ومواقفه.
وفقا لنظرية الاعتماد على وسائل الإعلام، فإن الاعتماد على وسائل الإعلام ينبع من ثلاث علاقات: العلاقة بين المجتمع ووسائل الإعلام، والعلاقة بين وسائل الإعلام والجمهور، والعلاقة بين المجتمع والجمهور. وتتشابك هذه العلاقات مع بعضها البعض وتشكل معًا مستوى اعتماد الفرد على وسائل الإعلام.
أولاً، في العلاقة بين المجتمع ووسائل الإعلام، فإن إمكانية الوصول إلى وسائل الإعلام وتوافرها سيؤثر على تجربة الأفراد الإعلامية. في الأنظمة الاجتماعية، غالبًا ما يختلف الاعتماد على وسائل الإعلام باختلاف الأنظمة السياسية والاقتصادية والثقافية. ثانياً، تعتبر العلاقة بين وسائل الإعلام والجمهور متغيراً أساسياً في هذه النظرية لأنها تؤثر على كيفية استخدام الناس لوسائل الإعلام. تختلف مطالب المجتمع ودوافعه لاستخدام وسائل الإعلام باختلاف البيئات الاجتماعية.
إن الاحتياجات الإعلامية الثلاثة: الحاجة إلى فهم العالم الاجتماعي، والحاجة إلى التصرف بفعالية في المجتمع، والحاجة إلى الهروب من البيئات ذات الضغوط العالية، تعكس جميعها درجة اعتماد الفرد على وسائل الإعلام.
ومن المثير للاهتمام أن نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام تشير إلى أنه عندما تشهد المجتمعات تغيرات وصراعات كبيرة، تزداد حاجة الناس إلى وسائل الإعلام. على سبيل المثال، دفعت حالات الطوارئ الوطنية أو الحركات الاجتماعية واسعة النطاق (مثل حرب فيتنام أو الربيع العربي) الناس إلى اللجوء إلى وسائل الإعلام بأعداد كبيرة لفهم الأحداث الجارية. وفي مثل هذه الحالات، يمكن لوسائل الإعلام أن يكون لها تأثير أقوى على الجمهور.
وفقا لبول روكيتش وديفلور، فإن العواقب المعرفية والسلوكية والعاطفية لاستخدام وسائل الإعلام تعتمد بشكل حاسم على خصائص الفرد وبيئته الاجتماعية. أولاً، تتضمن التأثيرات المعرفية خلق الغموض وحله. عندما يواجه الجمهور معلومات غير كافية، فقد يشعرون بالارتباك والتوتر وبالتالي يسعون للحصول على تفسيرات وتوضيحات من وسائل الإعلام.
أثناء فترات التغيير الاجتماعي، قد يؤدي الطلب المتزايد على المعلومات إلى جعل الجماهير أكثر عرضة لتأثيرات تحديد أجندات وسائل الإعلام.
على سبيل المثال، إذا كان لدى المشاهدين حاجة كبيرة إلى المعلومات حول حدث كبير (مثل غزو العراق عام 2003)، فإنهم أكثر عرضة لاعتبار هذا الحدث مشكلة كبيرة تواجه الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، قد تؤثر وسائل الإعلام على تشكيل مواقف الناس، وتوسيع أنظمة معتقداتهم، وتساعد في توضيح وتحديد صراعات القيم.
بالإضافة إلى التأثيرات المعرفية، يمكن لوسائل الإعلام أيضًا أن يكون لها تأثيرات عاطفية وسلوكية سلبية على الأفراد. قد يصبح المشاهدون الذين يتعرضون لمحتوى عنيف لفترة طويلة غير مبالين بالمواجهات العنيفة في الحياة الواقعية، مما يؤدي إلى انخفاض رغبتهم في مساعدة الآخرين. وتظهر هذه التأثيرات بشكل أكثر وضوحا خلال فترات الاضطرابات الاجتماعية.
على سبيل المثال، قد تشارك امرأة تقرأ أخبارًا عن التمييز الجنسي في مكان العمل في مسيرة حقوق المرأة بسبب المشاعر السلبية التي تشعر بها تجاه هذه القضية. وعلى العكس من ذلك، قد تتسبب وسائل الإعلام أيضًا في شعور الناخبين بعدم الرضا عن العملية الانتخابية، مما يؤثر في نهاية المطاف على سلوكهم التصويتي.يمكن أن تؤثر العروض والسرديات الإعلامية بشكل كبير على عواطف الناس وسلوكهم، مما قد يدفعهم إلى اتخاذ خيارات لا يتخذونها عادة.
على خلفية صعود وسائل الإعلام الجديدة، تتطور أيضًا نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام. إن الاعتماد المتزايد للشباب على وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة تحت تأثير المحتوى الشائع، يوضح أيضًا أهمية علاقات التبعية الفردية (IMD) في بيئة الإعلام الحالية. لم تعمل وسائل التواصل الاجتماعي على إعادة تشكيل الطريقة التي نحصل بها على المعلومات فحسب، بل إنها غيرت أيضًا أنماط اعتمادنا على وسائل الإعلام بشكل كبير.
على الرغم من أن نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام توفر إطارًا لتحليل تأثير وسائل الإعلام، إلا أن قابلية تطبيقها والقيود المفروضة عليها في بيئة اليوم التي تهيمن عليها وسائل التواصل الاجتماعي لا تزال تتطلب الاستكشاف.
إن تنوع وسائل الإعلام ومشاركة وسائل التواصل الاجتماعي يجعل الجمهور ليس مجرد متلقين سلبيين للمعلومة فحسب، بل أيضا أكثر نشاطا في اختيار المعلومات ومشاركتها. لقد جلب هذا التغيير تحديات وانعكاسات جديدة إلى فهمنا لتأثير وسائل الإعلام وعواقبها. هل يمكننا أن نجد الاستقلال الحقيقي والاختيار في هذا العصر من المعلومات الزائدة؟