في المراحل الأولى من الحياة، تقوم خلايا لا حصر لها بعمليات معقدة وغامضة داخل الجنين، وهي العملية التي تسمى تكوين الأنبوب العصبي (التكوّن العصبي). يبدأ كل شيء عندما يدفع الحبل الظهري الأديم الظاهر إلى تكوين صفيحة عصبية سميكة، والتي ستتحول في مرحلة لاحقة إلى الأنبوب العصبي وفي النهاية إلى النخاع الشوكي والدماغ، اللذين يشكلان الجهاز العصبي المركزي. لا تحدث هذه السلسلة من التغييرات بشكل عشوائي، بل تتأثر بالتحريض ونقل الإشارة بين الخلايا.
تعود عملية تحفيز الخلايا العصبية إلى أوائل القرن التاسع عشر، عندما بدأ العلماء في استكشاف كيفية تأثير الخلايا على بعضها البعض. وفي أبحاث ذلك العام، أثبتت سلسلة من التجارب مفهوم التحريض، الذي لا يزال له مكان في علم الأحياء التنموي المعاصر. وعلى وجه الخصوص، أثبت عمل هانز سبيمان وطالبته هيلدا مانجولد، اللذان استخدما أنسجة الأديم الظاهر من أجنة الضفادع حديثي الولادة في تجارب زرع الأعضاء، أن أنسجة محددة يمكن أن تحفز الخلايا المحيطة بالخلايا على التحول إلى أنسجة عصبية.تختلف عملية إغلاق الأنبوب العصبي بشكل كبير في العديد من الأنواع. وهناك آليات وقواعد معقدة وراء هذه العملية.
ومع تقدم البحث، اكتشف العلماء أن العديد من العوامل التي تبدو غير ذات صلة، مثل الرقم الهيدروجيني وبعض المواد الكيميائية، يمكن أن تعمل أيضًا كعوامل تحريض، مما يثبت أن آلية التحريض أكثر تعقيدًا مما تم الاعتراف به في البداية. تتضمن هذه العملية تفاعل الجينات وجزيئات الإشارة، كما تلعب العديد من عوامل النمو، مثل بروتينات تكوين العظام (BMPs)، دورًا مهمًا أيضًا. وتكشف مثل هذه الدراسات كيف تتعاون الخلايا مع بعضها البعض من خلال مسارات إشارات متعددة لتعديل شكلها ووظيفتها.
"إن تغيرات شكل الخلية، مثل عملية انقباض القمة، ضرورية لتكوين الأنبوب العصبي."
أظهرت المراقبة الإضافية للخلايا في الصفيحة العصبية أن بنيتها تغيرت بشكل كبير بعد التحريض، لتصبح خلايا أسطوانية طويلة. يمكن تمييز هذه الخلايا بوضوح عن الخلايا الظهارية المحيطة بها تحت المجهر. يحدث هذا التغير في الشكل بشكل أساسي من خلال العمل المنسق للأنابيب الدقيقة والأكتين داخل الخلية، مما يتسبب في تمدد الخلية إلى الخارج وتكوين شكل مخروطي حاد. تسمى هذه العملية "الانقباض القمي". عندما تطوى الصفيحة العصبية، تتشكل الأخاديد العصبية والطيات العصبية. تتحد هذه الطيات في نهاية المطاف في خط الوسط لتشكل الأنبوب العصبي.
ولكن عملية إغلاق الأنبوب العصبي لا تكتمل دفعة واحدة، بل تبدأ من الجانب الظهري وتنتشر إلى الجانبين، مصحوبة بتكوين نقاط إغلاق متعددة. ويعتمد نجاح هذه العملية على تنظيم جزيئات التصاق الخلايا وتكوين نقطة مفصلية وسطية في الصفيحة العصبية بسبب الضغط من خارج الظهارة، مما يجبر جانبي الطيات العصبية على الاقتراب من بعضهما البعض. اللغز هو لماذا تحدث عيوب الأنبوب العصبي في بعض الأحيان؟
"تعتبر عيوب الأنبوب العصبي واحدة من أكثر العيوب الخلقية شيوعًا، ولا شك أنها جذبت قدرًا كبيرًا من الاهتمام والأبحاث."
ويعتبر تكوين خلايا القمة العصبية أيضًا أمرًا بالغ الأهمية في هذه العملية. تنفصل هذه الخلايا عن حافة الأنبوب العصبي وتهاجر إلى أجزاء مختلفة من الجنين، حيث تتطور إلى أنواع مختلفة من الخلايا، بما في ذلك الخلايا العصبية والخلايا الصبغية في الجهاز العصبي المحيطي. ويشير هذا إلى أن التحريض من خلية إلى خلية لا يؤثر فقط على تكوين البنية، بل يحدد أيضًا تنوع أنواع الخلايا.
ومع ذلك، فإن إغلاق الأنبوب العصبي ليس مفهوما بشكل كامل. تختلف آلية الإغلاق بين الأنواع. في الثدييات، يتم إغلاق الأنبوب العصبي عادة عن طريق التنسيق الداخلي لعدة نقاط إغلاق تتلامس مع بعضها البعض. أما في الطيور، فإنه يبدأ عادة من نقطة واحدة في الدماغ المتوسط ويتحرك للأمام والخلف. وتؤدي هذه الاختلافات إلى تعقيد فهمنا لتكوين الأنبوب العصبي وتطرح تحديات جديدة للاستكشاف في المستقبل.مع استمرار تعميق البحث، أصبح فهمنا لتكوين الأنبوب العصبي أعمق تدريجيا، مما عزز التعرف على أنواع مختلفة من عيوب الأنبوب العصبي والبحث فيها، والتي تهدف جميعها إلى فهم أفضل للغز أصل الحياة. أمام هذه العملية الحيوية الرائعة والمعقدة، لا يمكننا إلا أن نسأل: ما مدى عمق ومدى القوة الحثية بين الخلايا؟