إن أعماق الفيزياء الكمومية غالبا ما تتحدى فهمنا الأساسي للواقع، كما يتضح من تجارب الاختيار المؤجل التي أجراها جون أرشيبالد ويلر في عامي 1978 و1984. تسلط هذه التجارب الفكرية الضوء على فكرة أساسية في نظرية الكم، إذ تشير إلى أنه لا ينبغي منح الفوتونات أي مادة ملموسة أثناء رحلتها من نقطة دخولها إلى لحظاتها الأخيرة.
أغلقت هذه التجارب ثغرة في تجربة الشق المزدوج التقليدية، وأظهرت أن السلوك الكمومي يعتمد على الإعداد التجريبي.
إن مفهوم الاختيار المتأخر يخل بفهمنا للعلاقة السببية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بكيفية "قرار" فوتون الضوء بالسفر كجسيم أو موجة. ادعى الباحثون الأوائل أن الفوتونات بدت وكأنها "تستشعر" الأجهزة التجريبية التي مرت من خلالها وتعدل سلوكها وفقًا لذلك.
الهدف هو التأكد من أن أي جسيم أو موجة تنتقل عبر نظام كمي قد عبرت مسارين متميزين قبل اختيار طريقة للمتابعة في التجربة.
أو من منظور "مقياس التداخل الكوني"، تخيل ويلر وجود نجم شبه نجمي يبعد مليارات السنين الضوئية، وهو يعمل على ثني الضوء وتداخله عبر مجرة ضخمة. عندما تسافر الفوتونات في اتجاه الأرض، يتعين عليها أن "تقرر" الدوران حول هذه المجرة الضخمة كجسيمات، أو كموجات، فتتخذ كلا المسارين في وقت واحد.
عندما تصل مثل هذه الفوتونات إلى الأرض، فإن الرصد الفلكي سوف يرى صورة اثنين من الكوازارات المنفصلة عن بعضها بواسطة تأثير عدسة الجاذبية. ويشير بعض الباحثين إلى أنه إذا تم إصدار فوتون كجسيم، فيجب أن يكون من الممكن اكتشافه باستخدام تلسكوب واحد فقط. ويبدو أن اختيار الفوتونات قد تم تحديده منذ مئات الملايين من السنين. ومع ذلك، بدأ الباحثون في تحدي هذا الإعداد من خلال توجيه مخرجات تلسكوبين إلى مقسم الأشعة.
وكانت نتائج مراقبة هذا النظام مفاجئة: إذ أظهر أحد المخرجات تداخلاً قوياً، في حين كان الآخر قريباً من الصفر، مما يشير إلى أن الفوتونات شهدت تأثيرات كمية إلغاء ذاتية في هذه العملية.وقد ذهب ويلر في تفكيره إلى أبعد من ذلك، وبدأ يتساءل عما إذا كان كل هذا يعني أن سلوك الفوتونات كان قابلاً للتتبع واختيار ذاتي. وبعبارة أخرى، عندما يقوم علماء الفلك بوضع أو إزالة مقسم الأشعة في لحظة معينة من الزمن، فإن تلك الفوتونات من ملايين السنين قد تتخذ خيارات مختلفة بأثر رجعي، وهو ما أثار خيال الناس.
يمكن أيضًا العثور على فكرة الاختيار المتأخر في تجربة الشق المزدوج الكلاسيكية. عندما يتم إعدادها على أساس سلوك الفوتونات، كيف يمر الضوء عبر الشقوق المزدوجة بشكل مختلف اعتمادًا على معدات الكشف؟ هل هذا السؤال يحير الكثير من العلماء؟ تكشف تجربة الشق المزدوج عن ثنائية الموجة والجسيم وتدفع الناس إلى التفكير: كيف يصبح الفوتون موجة أو جسيمًا في لحظة "القرار"؟
ولم تتأثر النتائج المتوقعة للتجربة بغض النظر عن وقت إدخال شاشة الكشف أو إزالتها، مما يشكل تحديًا لفهمنا الأساسي للظواهر الكمومية.
في هذا التحدي، بدأ العلماء أيضًا في استكشاف تفسير بوم، الذي ينص على أن الفوتونات أو الإلكترونات تتبع قوانين الفيزياء الكلاسيكية وتتأثر بالإمكانات الكمومية على هذا الأساس. تقدم هذه النظرية منظورًا مختلفًا بشأن العلاقة بين السلوك الكمومي والتاريخ، لكن هذه النظرة تواجه أيضًا تحديًا يتمثل في كونها غير متسقة مع النسبية.
أخيرًا، تمكن الباحثون الذين يتجهون نحو تصميم تجارب الاختيار المتأخر استنادًا إلى التأثيرات الكمومية من الكشف عن البنية العميقة لثنائية الموجة والجسيم. إن هذه الاستكشافات التجريبية لا تعمل على توسيع فهمنا للعالم الكمي فحسب، بل إنها تدفعنا أيضًا إلى إعادة التفكير في دور المراقبين. ومع أحدث تجارب الاختيار المتأخر، أصبحت حدودها مع الفيزياء الكلاسيكية غير واضحة بشكل متزايد، وتقدم ظواهر جديدة للتعايش بين الموجات والجسيمات.
مع تقدم التجارب، يقترب المجتمع العلمي من سؤال رئيسي: هل يتحدد سلوك الفوتونات حقًا من خلال اختياراتنا؟ وربما، على مستوى أعمق، كل هذا مجرد جزء من العمليات المعقدة للطبيعة؟