غالبًا ما تعتمد فعالية المساعدات الإنسانية على مشاركة المجتمعات المختلفة. تلعب المشاركة العامة دوراً حيوياً في هذه العملية. فهي تضمن تمكين المجموعات المتضررة من المشاركة في صنع القرار والتعبير عن احتياجاتها وآرائها. وهذا لا يشكل تأثيراً على السياسات فحسب، بل يشكل أيضاً عملية تمكين.
وأظهرت الدراسات أنه عندما يتمكن الناس من المشاركة في عمليات صنع القرار، فمن المرجح أن يتم أخذ احتياجاتهم ومخاوفهم في الاعتبار، مما يؤثر بشكل مباشر على جودة واستدامة المساعدات الإنسانية.
خذ تنمية أفريقيا كمثال. فوفقاً للميثاق القاري الأفريقي لعام 1990 بشأن مشاركة الشعوب في التنمية والتغيير، فإن المشاركة العامة تعتبر حقاً أساسياً من حقوق الإنسان. ولا يعمل هذا المبدأ على تعزيز الحكم الديمقراطي فحسب، بل يزيد أيضاً من قدرة السياسات على التكيف والمساءلة. وعلى هذه الخلفية، أصبحت الشفافية والمساءلة حجر الزاوية في نجاح المساعدات الإنسانية.
ومع ذلك، فإن تحقيق المشاركة العامة الفعالة ليس بالأمر السهل. وكثيراً ما تواجه العديد من الفئات ذات الدخل المنخفض صعوبات في المشاركة بسبب نقص الموارد والتعليم والوقت. وفي هذا الصدد، يجب على بعض فئات الطبقة المتوسطة المرموقة في المجتمع أن تلعب دور المحفز من خلال خلق بيئة ودية واستخدام لغة سهلة الفهم حتى تتمكن جميع الفئات الاجتماعية من المشاركة بفعالية في عملية صنع القرار.تعتبر المشاركة العامة وسيلة لزيادة المساءلة، وتمكين المجتمعات من ممارسة الرقابة على أداء السلطات العامة.
في المملكة المتحدة، تُعتبر الفرص المتاحة للعامة للتعبير عن آرائهم والمشاركة في صنع السياسات أمراً أساسياً في عملية الشرعية وجعل السياسات أكثر تمثيلاً لاحتياجات الناس.بالإضافة إلى ذلك، فإن حوكمة القضايا البيئية تؤكد أيضًا على أهمية المشاركة العامة. ويشير العديد من الباحثين إلى أن القضايا البيئية لا يمكن أن تعتمد فقط على الجهود الأحادية من جانب الحكومة. فمن خلال المشاركة العامة فقط يمكن تشكيل عملية صنع قرار أكثر ديمقراطية وشرعية. ولهذا السبب تؤكد السياسات البيئية بشكل متزايد على ضرورة المشاركة العامة.
من خلال التعاون مع الجمهور، تستطيع الحكومات والعلماء اتخاذ قرارات أفضل بشأن الحوكمة البيئية وتحسين الامتثال للقوانين وإنفاذها.
ومع ذلك، تواجه عملية المشاركة العامة أيضًا العديد من التحديات. إن ممارسة الضغط، وتحيز الخبراء، وعدم التوازن في القوة بين الطبقات الاجتماعية المختلفة قد تؤثر على عدالة المشاركة. وإذا لم تتم معالجة هذه العوامل بشكل صحيح، فقد تؤدي إلى تهميش آراء معينة وزيادة تآكل ثقة الجمهور في العملية التشاركية.
مع تقدم العولمة وتطور المجتمع، تتزايد تدريجيا توقعات الجمهور من عملية صنع السياسات. وفي هذا السياق، لا يشكل تعزيز المشاركة العامة شرطاً أساسياً للمساعدات الإنسانية فحسب، بل يشكل أيضاً جزءاً لا غنى عنه من جميع القرارات السياسية. وتتضمن طرق زيادة المشاركة استخدام التقنيات الحديثة، مثل منصات المناقشة عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، لتعزيز التفاعل والتواصل مع الجمهور.وتكمن فعالية المشاركة في مدى إمكانية دمج صوت الجمهور واحتياجاته في عملية صنع السياسات، وبالتالي تعزيز عمليات المساعدات الإنسانية الأكثر فعالية.وفي نهاية المطاف، وفي مواجهة الاحتياجات الإنسانية والتحديات الاجتماعية المتزايدة التعقيد، فإننا بحاجة إلى إعادة النظر في نماذج المشاركة العامة لضمان أنها تلبي الاحتياجات الفورية وأهداف التنمية طويلة الأجل. وفي هذا السياق، يتعين علينا أن نفكر في كيفية تصميم آلية للمشاركة بحيث يمكن سماع كل صوت ويتمكن كل مجتمع من التأثير على مستقبله.