تظهر أعراض هذا المرض غالبًا بعد مرور 10 إلى 30 عامًا على الإصابة به، وتكون الأعراض الأولية هي الوهن العصبي مثل التعب والأرق والصداع.
يحدث "الشلل الصرعي الجنوني" في المقام الأول بسبب التهاب السحايا المزمن وضمور الدماغ الناجم عن مرض الزهري غير المعالج، مما يؤثر على الفص الجبهي والصدغي للمريض. علاوة على ذلك، يعتبر هذا المرض أكثر شيوعا في البلدان النامية، حيث تكون خيارات العلاج محدودة نسبيا. يصاب حوالي 7% من مرضى الزهري بهذه الحالة، والتي تصيب بشكل رئيسي الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و40 عامًا.
ولم يتمكن المجتمع الطبي من تأكيد الارتباط المباشر بين "الشلل الصرعي الجنوني" ومرض الزهري إلا في ثمانينيات القرن التاسع عشر. وأظهرت الأبحاث اللاحقة أن التغيرات المرضية لهذا المرض تتركز بشكل رئيسي في القشرة الجبهية والصدغية من الدماغ، مما يؤدي إلى اضطرابات فكرية وسلوكية كبيرة. ومع تفاقم الأعراض، يعاني المرضى في كثير من الأحيان من فقدان القدرة على التصرف اجتماعيًا، وضعف الحكم، وتقلبات المزاج، وقد يصابون أيضًا بأوهام غريبة.كان الرأي السائد في الأيام الأولى أن هذا المرض هو جنون حقيقي ويرتبط بفساد الشخصية. ولم يتم تأكيد ارتباطه بمرض الزهري إلا في نهاية القرن التاسع عشر.
قد تشمل الأوهام تخيلات حول الثروة العظيمة، والخلود، والقوة غير المحدودة، ومع تقدم المرض، يصبح المريض مشوشًا عاطفيًا وغير قادر في النهاية.
إن عملية تشخيص "الشلل الصرعي الجنوني" معقدة نسبيًا، وتتطلب فحص ردود الفعل غير الطبيعية للحدقة والاعتماد على البزل القطني لتحليل السائل النخاعي لتحديد وجود مسببات مرض الزهري. ورغم تقدم العلوم الطبية في التمييز بين هذه الحالة والأمراض العقلية الأخرى والخرف، فإن التشخيص المبكر يشكل مفتاحاً لإنقاذ الأرواح.
تاريخيا، لا يمكن التقليل من خطورة هذا المرض. في المستشفيات النفسية العادية، تم تشخيص ما يصل إلى 25% من المرضى بهذا المرض وأصبحوا معاقين بشكل كامل مع مرور الوقت، مع معدل وفيات مرتفع للغاية. عندما أصبح البنسلين متاحًا على نطاق واسع في أربعينيات القرن العشرين، انخفضت معدلات الإصابة والوفيات الناجمة عن هذا المرض. لم يغير البنسلين نموذج العلاج لمرض الزهري فحسب، بل أنهى بشكل مباشر كابوس "الشلل الصرعي المجنون".سمح ظهور البنسلين للمرضى الذين يعانون من أعراض مبكرة بالتعافي بشكل كامل، وهو ما كان يُنظر إليه على أنه تقدم كبير في العلاج في ذلك الوقت.
من وجهة نظر اجتماعية، كان يُساء فهم "الشلل الصرعي الجنوني" باعتباره نتيجة مباشرة لعيوب الشخصية، لذا كان لدى الناس سوء فهم حول هذا المرض لفترة طويلة. وإذا تحدثنا عن حالات شهيرة في التاريخ، فإن الجنرال ماكنزي من الجيش الأمريكي وزعيم العصابة آل كابوني اضطرا إلى مواجهة عواقب مرض الزهري.
مع تقدم المجتمع وتطور التكنولوجيا الطبية، أصبح هذا المرض غير موجود تقريبا في البلدان المتقدمة اليوم. حتى في بعض البلدان النامية، انخفض مرض الزهري بشكل كبير نتيجة لزيادة الوعي بالمرض واستخدام المضادات الحيوية مثل البنسلين. ومع ذلك، فإن تاريخ "الشلل الصرعي الجنوني" يظل درساً قيماً في البحث الطبي، إذ يذكرنا بقوة المضادات الحيوية وأهمية العلاج في الوقت المناسب. فهل ستواجه البشرية تحديات مماثلة مرة أخرى في عملية إنقاذ الأرواح؟