من بين الألغاز العميقة في الكون، تعتبر نظرية الأوتار الفائقة بمثابة لؤلؤة لامعة تجذب انتباه عدد لا يحصى من العلماء. تطرح هذه النظرية وجهة نظر صادمة: إن عالمنا الحقيقي لا يقتصر فقط على الفضاء الرباعي الأبعاد الذي نعرفه (بما في ذلك الفضاء ثلاثي الأبعاد والزمن أحادي البعد)، بل يشمل أيضًا فضاءً ذو عشرة أبعاد أو حتى أكثر. كيف يمكن لهذه الفكرة أن تغير فهمنا لقوانين الفيزياء؟
منذ أوائل القرن العشرين، لم يتوقف علماء الرياضيات والفيزياء أبدًا عن استكشاف الفضاء عالي الأبعاد. في عام 1921، اقترح عالم الرياضيات الألماني كالوتسا والفيزيائي السويدي كلاين بشكل مستقل نظرية كالوتسا- كلاين، والتي تحاول توحيد الجاذبية والقوة الكهرومغناطيسية. ويظهر عملهم كيف يسلط البعد الخامس الضوء على العلاقة بين أربعة تفاعلات أساسية في الطبيعة.
تشير رؤية كلاين إلى أن هذا البعد الإضافي قد يكون صغيرًا جدًا، وبعيدًا عن إدراكنا. وقارنها بالتموجات على سطح الماء التي تلاحظها الأسماك في البركة، مؤكداً على الارتباط غير المباشر بين الفضاء ذي الأبعاد الأعلى وعالمنا اليومي. مثل هذه الاستعارات تسمح لنا بالتفكير في البنية الخفية للعالم الحقيقي ومحاولة العثور على ظواهر فيزيائية جديدة فيه. في سبعينيات القرن العشرين، ومع ظهور نظرية الأوتار الفائقة والجاذبية الفائقة، وصل اهتمام المجتمع الأكاديمي بالفضاء متعدد الأبعاد إلى ذروة جديدة. تنص هذه النظرية على أن الكون يتكون من أوتار مهتزة من الطاقة، ولا يمكن تقديم هذا الوصف بشكل كامل إلا في إطار عشرة أبعاد أو أكثر. منذ ذلك الحين، تطورت نظرية الأوتار الفائقة إلى نظرية M الأكثر شمولاً، والتي تشير إلى أنه بالإضافة إلى الأبعاد العشرة الرئيسية، هناك أبعاد إضافية قد تكون قابلة للملاحظة.على الرغم من أن نظرية كالوزا وكلاين لم تكن دقيقة تمامًا في بعض الجوانب، إلا أنها وضعت الأساس لأبحاث لاحقة.
يوفر إطار نظرية M تفسيرًا لسبب ضعف الجاذبية بالنسبة للقوى الأساسية الأخرى، مع التأكيد على أهمية البنية متعددة الأبعاد.في بحثهم عن آثار البعد الخامس، لجأ العلماء إلى مصادم الهدرونات الكبير (LHC)، معتقدين أن الاصطدامات بين الجسيمات دون الذرية يمكن أن تكشف عن جسيمات جديدة وربما حتى الجرافيتونات، التي تهرب من الفضاء رباعي الأبعاد. ورغم أن المراقبة المباشرة لهذه الظاهرة تظل صعبة، فإن العلماء يظلون واثقين من أن التجارب المستقبلية سوف تقدم المزيد من الإجابات.
في الرياضيات، منذ بداية القرن العشرين، كان البناء النظري للبعد الخامس يعتمد على فضاء هيلبرت. تتنبأ فضاء هيلبرت ببعد رياضي لانهائي لاستيعاب عدد لا نهائي من الحالات الكمومية. حاول أينشتاين وزملاؤه توسيع مفهوم الزمكان رباعي الأبعاد إلى بعد فيزيائي إضافي ليشمل الكهرومغناطيسية، لكنهم فشلوا. وهذا يعني أن النقاش حول وجود البعد الخامس من عدمه لا يزال في مرحلة الاستكشاف النظري.
في عام 1993، اقترح الفيزيائي تي هوفت مبدأ التصوير المجسم، مشيرًا إلى أن المعلومات ذات الأبعاد الإضافية المعروضة في الزمكان مع بعد واحد أقل يمكن اعتبارها انحناءً في الزمكان. وهذا يسمح لنا باستكشاف الفضاء متعدد الأبعاد مع تقديم منظور جديد لشرح الظواهر الرباعية الأبعاد التي يمكننا ملاحظتها.وقد أثارت الأبحاث المتعلقة بالهندسة الخماسية الأبعاد اهتماما واسع النطاق أيضا. حسب تعريف كلاين فإن الهندسة هي دراسة الخصائص الثابتة للزمان والمكان، والتي يتم التعبير عنها بالتغيرات في قيم خمسة إحداثيات في الفضاء الخماسي الأبعاد. لا يقتصر هذا الاستكشاف للهندسة على حدود الرياضيات البحتة، بل يتضمن أيضًا اتصالات مع الظواهر الفيزيائية.إن إدخال مبدأ الهولوغرافيا يجعلنا نعيد التفكير في طبيعة الفضاء متعدد الأبعاد.
في الفضاء الخماسي الأبعاد، هناك ثلاثة متعددات سطوح منتظمة فقط، مما يجعل البنية الطوبولوجية الخماسية الأبعاد أكثر تعقيدًا. يمكننا أن نتخيل أشكالًا متعددة السطوح خماسية الأبعاد مثل الخماسيات، والمكعبات الخماسية، والخماسية السطوح، والتي توضح تنوع وتناسق الأبعاد في أشكالها الفريدة. إن دراسة هذه الهياكل الهندسية لا تتحدى خيالنا فحسب، بل إنها تعمل أيضًا على توسيع تقاطع الرياضيات والفيزياء.
وأخيرًا، ومع تقدم العلم، أصبح فهمنا للفضاء متعدد الأبعاد أعمق بشكل متزايد، وأصبح التفكير العلمي والفلسفي الوارد فيه أكثر إثارة للتفكير. هل هناك حقائق أعمق لم يتم اكتشافها بعد؟