مفهوم المحاسبة العقلية هو نموذج سلوك المستهلك الذي اقترحه عالم الاقتصاد السلوكي ريتشارد ثالر، والذي يستكشف كيف يقوم الناس بترميز وتصنيف وتقييم النتائج الاقتصادية. لا تؤثر الحسابات العقلية على قرارات الاستهلاك لدى الأفراد فحسب، بل تلعب أيضًا دورًا حاسمًا في استجاباتهم العاطفية.
"تتمتع كافة المنظمات، من شركة جنرال موتورز إلى الأسر الفردية، بأنظمة محاسبية صريحة و/أو ضمنية. وغالبًا ما تؤثر هذه الأنظمة المحاسبية على القرارات بطرق غير متوقعة."
من منظور اقتصادي، يساعد إنشاء الحسابات الذهنية الأشخاص على ممارسة ضبط النفس في إدارة وتتبع إنفاقهم ومواردهم. غالبًا ما يقوم الأشخاص بتنظيم أموالهم في حسابات ذهنية مختلفة، مثل المدخرات (مثل وديعة منزل) أو فئات الإنفاق (مثل النقل، أو الملابس، أو المرافق). يؤدي هذا التقسيم إلى راحة وتقييم مختلفين للأموال والنفقات والخسائر في حسابات ذهنية مختلفة.
المبدأ الأساسي للمحاسبة العقلية هو أن الناس يميلون إلى فصل المكاسب والخسائر بدلاً من النظر إليهما معًا. على سبيل المثال، يكون الناس أكثر استعدادًا لتوفير 5 دولارات من خلال القيادة لمدة 20 دقيقة عندما يتم إضافة ذلك إلى نفقات قدرها 15 دولارًا بدلاً من نفقات قدرها 125 دولارًا. ويشير هذا إلى أن الناس يكونون أكثر تحفيزًا لكسب "الادخار" عندما يواجهون عددًا أقل من النفقات الأصغر.
نقطة مرجعية الحساب تشير إلى نقطة المرجع التي يحددها الأشخاص للقرارات الحالية في نفس الحساب الذهني بناءً على النتائج السابقة. على سبيل المثال، من المرجح أن يقوم المقامرون بمراهنات محفوفة بالمخاطر في نهاية اليوم لأنهم يفصلون مكاسبهم وخسائرهم اليومية في حسابات مختلفة، مما يجعلهم يرغبون في موازنة مكاسبهم وخسائرهم اليومية.
الآليات النفسية لسلوك المستهلكإن إدراك المستهلكين لـ "ألم الدفع" سوف يؤثر على سلوكهم الاستهلاكي. عند التفكير في نفقات معينة، يقوم المستهلكون بمقارنة النفقات بحجم حسابهم العقلي. على سبيل المثال، فإن دفع ثمن قميص بقيمة 30 دولارًا سيبدو أكثر عبئًا في محفظة بقيمة 50 دولارًا مقارنة بحساب جاري بقيمة 500 دولار.
"ألم الدفع هو استجابة عاطفية سلبية مرتبطة بالخسارة المالية."
يعد مفهوم المحاسبة العقلية مفيدًا في تفسير سلوك المستهلك، وخاصة في التسوق عبر الإنترنت، ونقاط المكافأة للمستهلك، والسياسات الضريبية العامة، وما إلى ذلك. عندما يستخدم المستهلكون بطاقات الائتمان لإجراء عمليات الشراء، فإنهم يميلون إلى إظهار استعداد أكبر للدفع مقارنة باستخدامهم للنقود. ويرجع هذا إلى أن التأخير في الدفع والغموض حول إجمالي الفاتورة عند استخدام بطاقات الائتمان يقللان من "ألم الدفع" المتصور. "
تساعد مبادئ المحاسبة العقلية المسوقين على توقع ردود أفعال العملاء تجاه حزم الأسعار وتقسيم المنتجات. عندما يواجه المستهلكون أنواعًا مختلفة من الاستهلاك، فإنهم يستجيبون بشكل أكثر نشاطًا لتقسيم المكاسب ودمج الخسائر. على سبيل المثال، غالبًا ما يجذب تجار السيارات المستهلكين من خلال الجمع بين ميزات إضافية في سعر واحد ولكن من خلال إدراج كل عنصر على حدة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المحاسبة العقلية لها آثار على الاقتصاد العام والسياسة العامة. ويستطيع صناع السياسات تطبيق مفهوم المحاسبة العقلية على تطوير النظم العامة في محاولة لتحديد إخفاقات السوق، أو إعادة تخصيص الموارد، أو الحد من أهمية التكاليف الغارقة. وقد أكدت العديد من الدراسات هذه النظرية. على سبيل المثال، في تحليل لبرنامج المساعدة التكميلية للتغذية (SNAP) في الولايات المتحدة، وجد أن الأسر أنفقت أموالاً أكثر بكثير من أموال البرنامج مقارنة بمصادر التمويل الأخرى.
وهذا لا يوضح فقط تأثير المحاسبة العقلية على السلوك الاقتصادي الفردي، بل ويعمل أيضاً على تعزيز صياغة السياسات العامة التي تساعد على التخطيط العقلاني وتخصيص الموارد. وعلى هذه الخلفية، هل ستلعب المحاسبة العقلية دورا أكبر في اتخاذ القرارات الاقتصادية في المستقبل؟