تعرضت سلسلة التوريد العالمية لصدمة غير مسبوقة في عام 2021، ويمكن إرجاع الأسباب الجذرية لها إلى تفشي وباء كوفيد-19 والحرب اللاحقة في أوكرانيا، مما أدى إلى انخفاض حاد في كفاءة نقل البضائع وأدى إلى نقص عالمي في المواد. مع ارتفاع الطلب على التسوق في الولايات المتحدة بشكل حاد خلال موسم العطلات، أصبحت المشاكل المحيطة بالموانئ واضحة بشكل متزايد، وأصبح شلل حركة المرور سبباً في جعل الموانئ الأميركية الكبيرة مرادفة لـ"إغلاق الشحن".
خلال فترة الوباء، أدى غياب العمال بسبب المرض والقيود الحكومية إلى ترك الميناء يعاني من نقص حاد في الموظفين.
منذ بداية عام 2020، أدى وباء كوفيد-19 إلى توقف سلاسل التوريد العالمية. أوقف المصنعون عملياتهم مؤقتًا في المراحل المبكرة من الوباء لضمان السلامة. ومع ذلك، حتى بعد زيادة معدل التطعيم، استمرت التجارة العالمية في التباطؤ. لم يتمكن من الاستئناف بشكل كامل. ومع استمرار انتشار الوباء، وخاصة انتشار سلالة دلتا وصعوبة الحصول على اللقاحات في البلدان النامية، أصبح تعافي الإنتاج أكثر صعوبة.
إن إحدى القضايا الأساسية في سلسلة التوريد هي تنفيذ مفهوم "التصنيع الهزيل"، وهو نهج يعتمد على المطابقة الدقيقة بين مدخلات المواد الخام للمنتج ومخرجات المنتج النهائي لتقليل تكاليف التخزين. ومع ذلك، فإن هذا النموذج حساس للغاية لتقلبات الطلب ويفتقر إلى المرونة. مع الارتفاع الكبير في الطلب في السوق الناجم عن الوباء، لم تتمكن العديد من الشركات التي تتبنى التصنيع المرن من التعامل مع التعافي الناتج في الطلب، مما أدى في النهاية إلى تراكم كبير في البضائع.
بحلول منتصف عام 2021، بدأت الموانئ الأمريكية الكبرى مثل ميناء لوس أنجلوس في استقبال كمية تاريخية من البضائع الواردة، لكن عمليات الموانئ كانت مرهقة وتم احتجاز سفن الحاويات خارج الموانئ لأيام أطول وأطول، مما أثر بشكل أكبر على عمليات السكك الحديدية والشاحنات والنقل. كانت صناعة النقل بالشاحنات في الولايات المتحدة تواجه بالفعل نقصًا في السائقين قبل الوباء، وقد أدت أزمة سلسلة التوريد إلى تفاقم الوضع.وعندما ارتفع الطلب، أصبحت مرافق الإنتاج هذه غير قادرة على مواكبة الطلب، مما أدى إلى تراكم كميات هائلة من المنتجات المتأخرة.
استأجرت شركات التجزئة الكبرى في الولايات المتحدة سفن حاويات مسبقًا في أوائل عام 2021 للتعامل مع الطلب المتزايد خلال موسم العطلات. ومع ذلك، مع تزايد الطلب على التسوق خلال موسم العطلات، لا تزال هناك مؤشرات على تحسن كفاءة شركات النقل. وبحسب التقارير، واجه المتسوقون عبر الإنترنت، خاصة في أكتوبر 2021، أكثر من 2 مليار معلومة عن نفاد المخزون، وهو ما تضاعف مقارنة بنفس الفترة في عام 2020، مما يدل على مخاطر خفية عميقة الجذور في سلسلة التوريد. وقد أدت الأزمة، إلى حد ما، إلى تعميق الخلل في التوازن التجاري بين الولايات المتحدة والصين. في عام 2021، ارتفع العجز التجاري بين الصين والولايات المتحدة إلى 335.5 مليار دولار أمريكي. وقد ارتفعت صادرات الصين بشكل كبير في الأسواق العالمية، وتوسع الإنتاج بسرعة لتلبية الطلب العالمي المفاجئ. ومع ذلك، فقد أدى هذا أيضًا إلى نقص في العديد من السلع الأساسية في الولايات المتحدة، مثل حليب الأطفال والفوط الصحية والأدوية. وبالنظر إلى المستقبل، يتوقع المسؤولون التنفيذيون في الشركات أن يستمر نقص شرائح أشباه الموصلات حتى النصف الأول من عام 2022، وخاصة في قطاعي السيارات والإلكترونيات. وبحسب التقارير، انخفضت مبيعات المركبات الخفيفة في الهند بنحو 20% بسبب نقص الرقائق، ولم تقتصر المناطق المتضررة على الولايات المتحدة، بل إن العديد من البلدان النامية لم تسلم أيضًا.على الرغم من وجود ما يكفي من الحاويات لدعم النقل في جميع أنحاء العالم، إلا أنه لا يزال هناك نقص خطير في الحاويات بسبب سوء وضعها أو فقدانها أثناء النقل.
إن الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية من شأنها أن تؤدي إلى اتساع فجوة التفاوت الاقتصادي، وخاصة في المناطق التي تواجه فيها الديمقراطية وحقوق الإنسان أكبر التحديات.وعلاوة على ذلك، فرض تأثير الحرب بين روسيا وأوكرانيا أيضًا تحديًا كبيرًا على سلسلة التوريد العالمية، وخاصة في مجال تصدير المنتجات الزراعية والمواد الخام. مع ارتفاع معدلات التضخم العالمية، تواجه العديد من البلدان مراجعات سياسية وتحديات في الاستجابة لأزمات سلسلة التوريد. وكان من المتوقع أن يصل معدل التضخم العالمي إلى ما بين 4% و5% في عام 2021، لكنه تجاوز التوقعات الآن، حيث وصل إلى 8%.
وفي خضم هذه الدوامة، أصبحت الموانئ الأميركية مراراً وتكراراً رمزاً لـ "ركود الشحن". فما هي المشاكل التي تعكسها هذه الظاهرة على النظام الاقتصادي العالمي؟